خلص مسلسل الاغتيالات في تايلند بقتل أربعة دبلوماسيين سعوديين أعضاء في سفارة المملكة في بانكوك، ورجل أعمال، ففي 4 يناير 1989م اغتيل السكرتير الثالث في السفارة عبدالله المالكي، والبالغ عمره 35 عاما، أمام منزله في شارع بيبات، قريبا من شارع ساوترون.
وفي الأول من فبراير 1990م قتل ثلاثة دبلوماسيين تباعا، هم: عبدالله البصري، فهد الباهلي، وأحمد السيف.
وفي 12 فبراير 1990م، أي بعد 11 يوما من مقتل الدبلوماسيين الثلاثة، قتل رجل الأعمال محمد بن غانم الرويلي، بعد اختطافه وإخفائه عن الأنظار.
وكان موقف السلطات التايلندية سلبيا، حيث أطلقت سراح المتهم في قتل السكرتير الثالث بأوامر من المحكمة العليا التايلندية، بحجة عدم وجود أدلة كافية، بينما في حادثة مقتل الدبلوماسيين الثلاثة لم تلق القبض على أي متهم، لعدم وجود مشتبه بهم، أو قرائن تدل على الجريمة.
أكد القائم بأعمال سفارة المملكة لدى تايلند، عبدالإله بن محمد الشعيبي، أن عناية خادم الحرمين الشريفين، واهتمام سمو وزير الخارجية، وسمو نائبه ومساعده، تؤكد أن دماء أبناء الوطن أمانة في رقابنا، وأنه لا شيء يوازي ثمن الدماء التي أريقت بالباطل.. في إشارة إلى مقتل أربعة دبلوماسيين ورجل أعمال منذ 23 عاما. وقال: إن التوجيهات الصريحة من وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل تفرض علينا أن لا ندخر جهدا في متابعة القضية والاتصال بأي مسؤول له صلة بها.
وكشف القائم بالأعمال في حوار مع «عكاظ» أن المسؤولين في تايلند أبدوا رغبة جادة في تحسين علاقتها مع المملكة، لكن الموقف الرسمي كان يحتم على أن «قضايانا لها أولوية على كل شيء».
وأوضح أن العلاقات بين البلدين تقوم اليوم على مبدأ خفض مستوى التمثيل من سفير إلى قائم بأعمال، نتيجة وجود قضايا معلقة بين البلدين، دون أن يقابلها أية نتائج إيجابية من الجانب التايلندي.. فإلى نص الحوار:
• بداية حدثنا عن واقع العلاقات السعودية التايلندية اليوم وسط هذه المحاكمات وبعد 23 عاما من سلسلة اغتيالات طالت أيادي الغدر فيها دبلوماسيين ورجل أعمال؟
- تعلم أن العلاقات قائمة اليوم على مبدأ خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، من مستوى سفير إلى قائم بأعمال، وذلك نتيجة وجود قضايا معلقة بين البلدين، منذ أكثر من 23 عاما، تمثلت في مقتل أربعة دبلوماسيين سعوديين يعملون في سفارة المملكة في بانكوك، ثلاثة منهم تم قتلهم في وقت واحد، والآخر جرى قتله قبلهم بأكثر من عام، ومن ثم قتل رجل الأعمال محمد الرويلي، ومقابل ذلك لم يكن هنالك أية نتائج إيجابية من الجانب التايلندي، فاتخذت المملكة قرارا بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، وتجميد كافة الأنشطة الاقتصادية والسياحية، وهنا أود أن أوضح أن ذلك خلاف ما يعتقد به الكثيرون بأن العلاقات بين المملكة وتايلند مقطوعة، وأنه لا وجود أساسا لسفارة سعودية في العاصمة بانكوك، فعند تعاملنا مع كثير من المواطنين نلاحظ عدم معرفتهم بوجود سفارة وقائم بأعمال في تايلند.
• بحسب المعطيات التي توفرت لديكم.. هل هنالك رابط مباشر بين مقتل الدبلوماسيين الأربعة ورجل الأعمال محمد الرويلي؟
- نعم، يوجد رابط، لأن رجل الأعمال تم اختطافه من قبل ضابط شرطة بعد أن اعتقد الجناة بعلاقته بالدبلوماسيين، فحقق معه هذا الضابط، ولم يخرج منه بنتيجة، فقتله.
• السؤال الذي يدور في أذهان الجميع.. أن القضية مضى عليها أكثر من 23 عاما، وعادت إلى السطح اليوم.. فما عوامل إحيائها بعد هذه المدة الطويلة؟
- طبعا من المعلوم أن القضية المتداولة الآن هي قضية مقتل الرويلي، أما مقتل الدبلوماسيين الأربعة فقد أعلنت السلطات التايلندية أنها سقطت بالتقادم، لعدم توفر أية أدلة إضافية، وإحياء القضية الآن ينم عن العناية الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين، واهتمام صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب وزير الخارجية، وصاحب السمو الأمير خالد بن سعود بن خالد مساعد وزير الخارجية، بمجرد ظهور شاهد في القضية بعدعقدين من الزمن، فهم يؤكدون أن دماء أبناء الوطن أمانة في رقابنا، وأنه لا شيء يوازي ثمن الدماء التي أريقت بالباطل، حتى أن المسؤولين في تايلند أبدوا رغبة جادة في تحسين علاقتها مع المملكة، لكن قضايانا لها أولوية على كل شيء.
• وسط هذا المستوى من العلاقات بين الرياض وبانكوك.. هل اتصالاتكم مفتوحة مع المسؤولين التايلنديين بشأن القضية؟
- هناك توجيهات صريحة من سمو وزير الخارجية بأن لا ندخر جهدا في الاتصال بأي مسؤول له صلة بالقضية، لذا فقد تعددت اتصالاتنا بين وزير الخارجية، وزير العدل، المدعي العام، نائب وزير الخارجية، مدير إدارة الشرق الأوسط في الخارجية، ومدير دائرة التحقيقات الخاصة.. فكل هؤلاء نحن على تواصل معهم وبصورة مستمرة.
• اسمح لي أن أطرح استفهاما بريئا.. كيف ظهر هذا الشاهد بعد هذه السنوات؟ ولماذا سكت طيلة هذه المدة؟
- الشاهد هو ضابط شرطة كان موجودا أثناء عملية اختطاف الرويلي، وتمت الاستعانة به في عملية الترجمة مع الرويلي، وفي تلك الأثناء جرى اقتياد الرويلي إلى فندق تسيطر عليه الشرطة، لأخذ أقوال من تحقق معهم بالإكراه، لأن الإكراه في مقرات الشرطة مكشوف ويؤخذ عليهم، فهذا الضابط كان دوره الترجمة في قضايا المخدرات، لكنهم استعانوا به مع الرويلي في ذلك الفندق لعدم وجود مترجم آخر حينها. أما الذي منعه من الإدلاء بالشهادة طيلة هذه المدة فلأنه كان على رأس العمل، ويخشى من أن يلحقه أذى من الضابط المتهم بقتل الرويلي لنفوذه الواسع في البلاد، خصوصا أن شقيق المتهم قيادي في الجيش التايلندي برتبة جنرال «فريق أول»، وشقيقه الآخر عضو في البرلمان، فبعد أن تقاعد الشاهد خرج من تايلند، واختار الإقامة خارج بلاده، وهناك أدلى بالشهادة.. وللعلم هو مسلم.
• هذا الشاهد كان قد قدم أقواله من أبوظبي.. الأمر الذي أثار تساؤل الكثير من المتابعين عن طبيعة التقاضي مع أطراف يقيمون في دولة أخرى؟.
- نعم صحيح، فالقانون في تايلند يجيز الاستماع لأقوال الشاهد في الخارج، بشرط تسجيلها وتصديقها رسميا وإرسالها، وقد أخذت أقواله عبر مندوبين من وزارة الخارجية التايلندية، ومدير دائرة التحقيقات الخاصة، وممثل المدعي العام، ومسؤولين من السفارة التايلندية في أبو ظبي.
• وما أبرز العقبات التي واجهتكم في عملية التقاضي ومسار المحاكمة؟
- تغير الحكومات في تايلند هو الإشكالية العظمى التي واجهتنا في متابعة القضية، فكلما تغيرت الحكومة نعود من جديد إلى نقطة الصفر، خصوصا أنها تتغير في العام الواحد مرتين إلى ثلاث مرات، بسبب تناوب حركات المعارضة، فبعد أن نقطع شوطا طويلا من المشاورات مع وزير العدل مثلا، نفاجأ بأن الحكومة تغيرت وأن علينا البدء في مشاورات جديدة مع وزير العدل الجديد.
• وماذا عن جلسة اليوم؟
- اليوم سيتم الاستماع إلى الشاهد في القضية، بحضور عتيق الرويلي الشقيق الأكبر لرجل الأعمال، وابن عمه متروك الرويلي، بجانب حضوري أنا بصفتي قائما بأعمال السفارة، وكذلك رئيس شؤون السعوديين في السفارة بلال الأنصاري. وهي جلسة مفصلية تترتب عليها جلسات أخرى مبرمجة، إذ سيتحدد موعد لسماع الشهود من طرف المتهمين.
• وهل حضور عتيق الرويلي الشقيق الأكبر لرجل الأعمال، وابن عمه متروك الرويلي برغبة منهما أم من السفارة؟
- حضورهما مهم في جلسة كهذه، وسمو وزير الخارجية وجه بأن تتكفل السفارة بكل ما يتعلق بمستلزمات حضورهما، من تذاكر سفر وإقامة، وذلك لإبراز اهتمامنا بالقضية.